في بعض الأحيان قد يشتكي الناس من العجز عن التعبير بشكل جيد عما يجيش في
صدورهم من مشاعر أو ما يدور في أذهانهم من أفكار، فالناس أحياناً قد
يخونهم التعبير بدقة عما في دواخلهم، فيصمتون أو يقولون ما لا ينبئ تماماً
عما يكنونه. ولذلك هم دائماً يتطلعون إلى تعلم أساليب التعبير الجيد كي
يتمكنوا من ابداء ما تكنه نفوسهم بصورة صحيحة صادقة.
***
إلا أنه ليس دائماً يكون عدم التعبير الصادق عما في النفس بسبب العجز، فهو
أحياناً يكون أمراً مقصوداً متعمداً، لأسباب محددة تدفع إليه. ولكن سواء
كان كتم ما في النفس متعمداً أو نتيجة للعجز، هو في كلا الحالين يظل أهون
شأناً وأقل ضرراً من تعمّد تزييف ما في الذات والتعبير عن المشاعر بما هو
مُخالف لحقيقتها بقصد التضليل والخداع.
***
فهناك أشخاص وُهبوا القدرة على اللعب بالكلمات والعبث بالألفاظ بحيث
يُخضعون اللغة لتكون ستاراً سميكاً يخفون وراءه حقيقة مشاعرهم وأفكارهم
فتكون عونا لهم على كتمان ما لا يودون ظهوره. وأذكر اني قرأت مرة لكاتب
ساخر تعريضاً بأولئك الذين يقولون غير ما يُضمرون حيث قال: «ان اللغة لم
تخترع للتعبير عن النفس، ولكن لإخفاء ما في النفس والتمويه على الناس حتى
لا يُدركوا حقيقة ما في النفس».
***
وقد علق كاتب آخر على هذا الرأي فقال: «ومما يؤسف له أن الإنسان كلما كان
أذكى وأمهر وألبق كان أبعد من أن يُعبّر عن نفسه وعن أن يكون هو نفسه،
وكلما كان أقرب إلى الغفلة والسذاجة كان أقرب إلى أن يكون هو نفسه وأن
يُعبّر عن نفسه».
***
وما يلفت النظر انه من النادر ان نجد من يشتكي من عدم قدرته على توظيف
اللغة في اخفاء ما في نفسه وكتم ما يدور في ذهنه من أفكار أو مشاعر، في
حين يكثر الشاكون من العجز عن توظيف اللغة توظيفاً جيداً في التعبير عما
في نفوسهم. فما الذي يعنيه هذا؟
***
وهنا ينتهى المقال و يبقى لى سؤال اتوجه به اليكم اعضاء منتدى تعب قلبى الاعزاء
هل قدرة الناس على التزييف والخداع والكذب أعلى من قدرتهم على الصدق والصراحة؟!